في تصعيد خطير اقتحم مجموعة من المتظاهرين في محافظة عدن باليمن مقر القنصلية المصرية قبل أن يقوموا بإنزال العلم المصري ورفع العلم الفلسطيني، حيث تدافع المتظاهرون الذين بلغ عددهم بالآلاف ورغم محاولات الشرطة اليمنية تفريقهم، إلا أن كثرتهم وتدافعهم جعلهم ينجحون في اقتحام القنصلية المصرية. يأتي هذا في الوقت الذي توجهت فيه مجموعة من اتحاد طلاب اليمن من جامعة صنعاء في مسيرة احتجاجية إلى مقر السفارة المصرية هناك.
التوترات في اليمن بدأت -الاثنين 29 ديسمبر 2008- عندما خرج يمنيون غاضبين مما يتعرض له الفلسطينيون في غزة، وقرروا تنظيم مظاهرات، وحاولوا اقتحام القنصلية المصرية، بل وكانت هناك مظاهرات من الأطفال الذين حملوا أحجارا وقاموا برميها نحو القنصلية المصرية وهو الأمر الذي دفع السلطات الأمنية إلى توجيه حشود عسكرية حول القنصليات في عدن، وتحديدا حول القنصلية المصرية قبل أن تنجح في تفريق الموجودين.
ورغم هذا فإن المظاهرات عادت اليوم، ونجح المتظاهرون في اقتحام القنصلية المصرية؛ بحجة أنهم جاءوا للتعبير عن غضبهم مما يحدث في غزة رافضين موقف الحكومة المصرية ومطالبين إياها بفتح معبر رفح للسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثة العاجلة لأهالي غزة.
يأتي هذا التصعيد الخطير بعد حملة تتعرض لها مصر من دول مجاورة منها سوريا وإيران، والتي ترى أن مصر لم تلعب الدور المطلوب منها تجاه ما يحدث في غزة، وهو الأمر نفسه الذي قاله "حسن نصر الله" زعيم حزب الله اللبناني عندما خرج داعيا الشعب المصري إلى الثورة على قياداته، وهو الأمر الذي رد عليه وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط" رافضا تلك الانتقادات العنيفة واصفا إياها بأنها حرب معلنة ضد مصر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مصر ستواصل مساعيها رغم كل شيء من أجل وقف إطلاق النار في غزة وإبرام اتفاق تهدئة جديد بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية في القطاع.
وفي الوقت الذي لم تفعل فيه أي من هذه الجبهات المهاجمة شيئا تجاه ما يحدث في غزة، قامت مصر -الإثنين 29 ديسمبر 2008- بفتح معبر رفح لإمرار المساعدات التي أرسلتها عدة دول عربية ولاستقبال الجرحى الفلسطينيين الذين نقلتهم سيارات إسعاف فلسطينية إلى الجانب المصري.
ورغم أنه تم فتح المعبر وإدخال المساعدات الغذائية والطبية للقطاع بما فيها المساعدات المصرية والقطرية والليبية والسعودية والأردنية والإماراتية أمس، يأتي اليوم اقتحام القنصلية المصرية في اليمن احتجاجا على "عدم فتح المعبر"!
ورغم أن هذا الاقتحام تصرف مرفوض حتى لو لم تقم مصر بفتح معبر رفح؛ لأنه قرار سيادي لمصر، إلا أن القيام به بعد قيام مصر بفتح المعبر من أجل المطالبة بفتح المعبر المفتوح أصلا يعكس تصرفا طائشا انفعاليا غير واعٍ تحركه دوافع أخرى بعيدة كل البعد عما يحدث في غزة؛ لأن من قاموا به -بكل بساطة- لا يعرفون ولا يتابعون أصلا تطورات الأوضاع هناك.
إن هذا الفعل يمثل -على المستوى النظري والتحليلي- التطور الحتمي لفكرة فتح المعبر بصورة دائمة ودون قيد أو شرط ودون اعتبار للسيادة الوطنية المصرية، وهي فكرة مرفوضة من الأساس؛ فعلى حين أن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة تستحق كل التآزر والمساندة على كل المستويات، فإن المعابر يجب أن تظل مراقبة بدقة شديدة وتحت السيطرة التامة حتى لا يحدث إهدار لأمن الوطن وسيادته.
ثم إن الأعلام لا تمثل الحكومات –التي يمكن أن نختلف معها من الألف إلى الياء إن شئنا– ولكنها تمثل "الوطن" الذي يجب ألا نختلف عليه، ومن يختلف على ذلك فليس له أن يزعم الانتماء لهذا الوطن!
إن الجماهير العربية والإسلامية في غمرة انفعالها وحماسها وتعاطفها، وتعبيرها عن غضبها واستيائها التام من الهجمات الإسرائيلية البربرية، وردود الأفعال الرسمية التي لم ترق لمستوى الحدث –ولها الحق في ذلك- يجب ألا تنساق وراء الانفعالات الهستيرية فتخلط بين المشاعر الصادقة والتصرفات الطائشة الهوجاء؛فما قام به هؤلاء المقتحمون يعد عملا احتلاليا استعماريا في جوهره، وإجراء انقلابيا فوضويا بامتياز.
إن من "فتحوا" هذا "الفتح" لا يدركون دلالة ما يفعلون، وهذه مصيبة، أما لو كانوا يدرون فالمصيبة أعظم!