تباينت آراء محللين سياسيين وخبراء عسكريين حول الأهمية المترتبة على فتح معبر رفح لعلاج الوضع المتأزم حاليا في غزة، وفيما رفض بعضهم الربط بين فتح المعبر وإمكانية "توطين" الفلسطينيين في سيناء ذهب آخرون للقول بأن علاج الأزمة هو التقارب بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة خاصة وأن إسرائيل لا تعبأ بالعرب ولا برد فعلهم وأن قصفها لغزة يأتي قبيل أقل من شهر من الانتخابات الإسرائيلية الداخلية وهو ما سيكون له بالغ الأثر في نتائج هذه الانتخابات، علاوة على أن إسرائيل تحاول رسم صورة حقيقية للوضع الذي تريد أن تراها فيه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة "أوباما" الذي تعتبره إسرائيل متعاطفاً مع الفلسطينيين.
"أرفض التصريحات الساذجة بإمكانية استيطان الفلسطينيين في سيناء".. هكذا بدأ "ضياء رشوان" خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام الاستراتيجي حديثه مؤكداً أن إسرائيل هي التي تسعى لذلك وليس الفلسطينيين بدليل أن هناك عرب 48 منذ طردهم من حيفا ويافا وباقي "الخط الأخضر" في فلسطين يسكنون المخيمات بعيداً عن أهالي غزة بالرغم من خروجهم من أرض فلسطينية لأرض فلسطينية، فقد رفضوا الاستيطان في بلدهم حفاظاً على خصوصياتهم وهويتهم فكيف يقبلونه في بلد آخر.
أضاف: كلمة "الاستيطان أو التوطين" لم ترددها سوى أصوات بمصر وإسرائيل ولم ينطقها أي فلسطيني، والأهم من هذا كله ما يقال عن تطرف حماس التي تريد أراضيها "من البحر للبحر"، وعودة كل اللاجئين لفلسطين، وهو سبب خلافها مع "أبو مازن" من الأصل.. فكيف تقبل أن يتم توطين الفلسطينيين خارج الحدود.
واستبعد رشوان أن تتعدى مساعدة السيد "حسن نصر الله" أو إيران لحماس "الكلام"؛ لأن لبنان أو إيران ليست على استعداد لمساعدة آخرين وخصوصاً لبنان التي تعاني الأمرّين حتى الآن من آثار حربها الأخيرة مع إسرائيل، وكل الدول العربية لن تتحرك حتى بعد بدء إسرائيل هجومها البري واختتم حديثه بالقول: لو كانت غزة تتبع "محمود عباس" لفتحتها مصر "طوال العام".
ومن جهته حذر اللواء "طلعت مسلم" -الخبير العسكري- من توطين الفلسطينيين في سيناء، فمن يدخل الآن منهم لا يريد الرجوع للدمار في غزة، وهو ما حدث عند اقتحام الفلسطينيين للمعبر حيث اختبئوا في الصحراء، وحتى الآن لم يصل إليهم أحد، مؤكداً أن فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء مرفوضة حكوميًا وشعبيًا فيكفي أن عددهم حوالي 2 مليون نسمة..
يأتي ذلك في الوقت الذي كشف خبير إسرائيلي متخصص في الدراسات الشرق أوسطية، النقاب عن خطة وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أرئيل شارون"، تقضي بتذويب الفلسطينيين في مصر والأردن وربطهم اقتصادياً بكلا البلدين، وهو الأمر الذي لم تخفه إسرائيل بعد دخول الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية في أواخر يناير الماضي للتزود بالمواد الغذائية.
وقال "كاري سو سمان" في تقرير بحثي نشرته جامعة تل أبيب على موقعها الإلكتروني: ''إن شارون خطط لتحويل القضايا الفلسطينية إلى خلافات حدودية غير عاجلة بين الدول العربية، في وضع أقرب إلى وضع الأكراد في عدد من الدول العربية''، فقد حاول شارون إنهاء القضية الفلسطينية بتذويب الكيان الفلسطيني المحدود، الذي يمتد على مساحة من الأرض لا تزيد عن 58% من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وجعل الفلسطينيين يبحثون عن مصالحهم الاقتصادية في الأردن ومصر''.
وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل قد اقترحتا مؤخراً توطين فلسطينيي الداخل واللاجئين في شبه جزيرة سيناء، وهي الخطة التي قوبلت برفض حكومي مصري ومن بدو سيناء، كما قوبلت برفض فلسطيني.
بدوره يرجع المحلل السياسي "نبيل عبد الفتاح" ما حدث إلى اختلاف الفصائل الفلسطينية نظراً للصراعات على السلطة بين النخبة الحاكمة الفاسدة في تنظيم "فتح" والفصائل الأخرى ومواليها مع الفصائل، فكل طرف يستخدم أطراف إقليمية، علاوة على "قوى الممانعة الإقليمية والعربية" سواء إيران وسوريا وحزب الله، بينما يميل جناح السلطة في فلسطين للدول المحافظة مثل السعودية والكويت ومصر لحد ما.
وأضاف : من الظلم القول بأن مصر مؤيدة لإسرائيل، وأقصد هنا سياسة الدولة وليس نظام الحكم فهي دوماً ما تسعى لأخذ مسافة متساوية من الأطراف المتصارعة لتستطيع أن تلعب دورها "الإقليمي والدولي" أما الشعارات التي تولدها الانفعالات والأزمات الكبرى فلا يشترط دوماً أن تكون صحيحة.
وقال: فتح معبر رفع ليس الحل، ولن يوقف القصف الإسرائيلي على غزة، وإنما "المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية" بمحاولة الحصول على حد أدنى من الإجماع على شكل التسوية والمقاومة وتحديد ماهية الأهداف واستراتيجية تحقيقها، ومن ثم تهميش الأدوار الإقليمية المتعارضة التي تسعى لمصالحها فقط.
وأوضح أن مسألة فتح المعبر تخضع لاتفاقيات دولية كان أحد أطرافها الفلسطينيين، مؤكداً أن التجربة اللبنانية لا يمكن تكرارها في غزة فما حدث في جنوب لبنان لا يصلح للتطبيق في غزة فلا يجوز استنساخ التجارب الكفاحية فالحرب الآن "كلامية فحسب"، فليس بالضرورة أن يصلح الخطاب الديني في التعبئة السياسية على المدى البعيد؛ لأن اسرائيل ترى فلسطين كلها حقاً لها، وحماس عاجزة عن الصد -في رأيه- لمحاولة كسب المزيد من التعاطف الدولي معها.
واستبعد قيام اسرائيل بهجوم بري على غزة بالكامل؛ لأنها لا تود الخروج بخسائر ولكنها في الوقت نفسه استطاعت بمنتهى الذكاء تقديم الجريمة التي تقوم بها إزاء المدنيين كنوع من أنواع الدفاع عن النفس حيث استخدمت التصريحات التي تطلقها حماس والجهاد وتروج لها أمام الرأي العام العالمي على أنها "اعتداءات" تهدد المدنيين الإسرائيليين.